الحث على تفقد أحوال المسلمين أفرداً وجماعات
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق أجمعين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، أما بعد :
أيها الأخوة في الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يقول الله سبحانه وتعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [1] ، ويقول سبحانه : لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [2] ، ويقول سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [3] . وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))[4] . ويقول عليه الصلاة والسلام : (( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ))[5] . هذه الأدلة وغيرها من الكتاب والسنة تدعونا على العناية والاهتمام بإخواننا المسلمين أفرداً وجماعات في كل بقاع الأرض ، وتفقد أحوالهم ، ومعرفة واقعهم ، وتحسس آلامهم ، ورصد احتياجاتهم ، ومعرفة مطالبهم ، ثم العمل على مساعدتهم ، كل بحسب استطاعته ، مع العناية بتقديم الأهم على المهم ، وهكذا فهناك من المسلمين في بلاد المسلمين ، وفي غيرها من البلدان الأخرى من يحتاجون إلى الطعام والكساء ، وهناك من يحتاج إلى التعليم والتدريب ، وهناك من يحتاج إلى الكتاب والمدرسة ، وهناك من يحتاج إلى بناء مسجد تقام فيه الصلاة ، ويذكر فيه اسم الله ، وهناك من يحتاج إلى المدرس والمرشد والداعية إلى الله ، يذكرهم بالله ، ويبين لهم حقيقة الإسلام ، ويوضح لهم أحكام دينهم ، حتى يعبدوا الله على هدى وبصيرة ، وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى الطبيب وإلى المستشفى لعلاج مرضاهم ، وإلى المأوى المناسب يقيهم الحر والبرد ، ويحفظ لهم إنسانيتهم وكرامتهم .
أيها الإخوان : لا يخفى عليكم ما يعانيه الكثير من إخوانكم المسلمين في سائر بلاد الله من فقر وجهل وبؤس وحرمان وبطالة ومرض وجهل بأحكام الدين ، مما يوجب التعاون ومضاعفة الجهد لحماية الإنسان المسلم ، وإنقاذه من أسباب الهلاك ، وإن هذه المؤسسة المباركة " الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية " لهي منشاة خيرة ، جديرة بكل دعم وتشجيع ومساندة ، فأهدافها وغاياتها واضحة ، وهي العناية بمعرفة آلام المسلمين ، ومعالجة مشاكلهم أينما كانوا ، والحفاظ على هويتهم الإسلامية ، وعطاؤها للعالم الإسلامي كله ، ومن أبرز صفات هذه الهيئة : أنها لا تتسم بصفة بيئية ، أو تنخرط في انتماءات معينة مهما كان نوعها ، إلا الانتماء الإسلامي الخيري ، المستلهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . لذا فإنني أدعو جميع أهل الخير ممن وهبهم الله المال ، وأعطاهم سعة في الرزق ، أن يبادروا في الإنفاق في سبيل الله ، وذلك بدعم هذه المنشأة الخيرية بالمال ، والإسهام في مشاريعها المتنوعة ، لكي تتمكن من القيام بأعمالها ، وتحقق أهدافها الإسلامية النافعة . وقد وعد الله المنفقين بالخلف في الدنيا والآخرة ، قال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[6] ، وقال سبحانه : وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [7] . ومن الأمور المعتبرة لدعم هذه الهيئة الخيرية أن القائمين عليها هم من الرجال الثقات المخلصين الذين نذروا أنفسهم ، وبذلوا أموالهم ، وفرغوا أوقاتهم لإيصال الخير والنفع لأكبر عدد من المحتاجين من المسلمين ، فهذا مما يشجع المسلم ويطمئنه إلى أن ما يبذله من مال هو في أيد أمينة ، تنميه وتزكيه حتى يصل على مستحقيه .
إخواني : وبهذه المناسبة فإنني أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى ومراقبته في السر والعلن ، وأوصي إخواني القائمين على أمر هذه الهيئة الخيرية أن يتقوا الله في أموال هذه الهيئة ، وذلك بأن لا يتصرفوا فيها وينموها إلا بالطرق الشرعية الصحيحة ، وأن يبتعدوا عن التعامل بها في كل ما تدخله شائبة الربا أو المعاملات المحرمة المخالفة للشريعة الإسلامية ، ففي الحديث الصحيح : (( أيها الناس ! إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ))، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [8] . وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [9] . ((ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء . يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام . فأنى يستجاب لذلك )) [10] .
والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه ، وأن يمنحكم إصابة الحق في القول والعمل ، وأن يعينكم على كل ما فيه إيصال الحق لمستحقه ، وأن يضاعف الأجر لنا ولكم ولجميع المساهمين في هذا المشروع ، وأن يتقبل من الجميع إنه جواد كريم .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] سورة المائدة ، الآية 2
[2] سورة آل عمران ، الآية 92
[3] سورة الحديد ، الآية 7
[4] رواه البخاري في ( الأدب ) باب رحمة الناس البهائم برقم (6011 )، ومسلم في ( البر والصلة والآداب ) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم برقم (2586 )
[5] رواه البخاري في ( المظالم والغصب ) باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه برقم( 2442 )، ومسلم في ( البر والصلة والآداب ) باب تحريم الظلم برقم (2580 )
[6] سورة سبأ ، الآية 39
[7] سورة المزمل ، الآية 20
[8] سورة المؤمنون ، الآية 51
[9] سورة البقرة ، الآية 172
[10] رواه مسلم في ( الزكاة ) باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم (1015)
موقع عبد العزيز بن باز.